العربية البائدة أو عربية النقوش

. . No comments:
العربية البائدة أو عربية النقوش
أ ) تعريف  اللغة العربية
         عرف القدماء اللغة بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ولم تستطع التعريفات الحديثة عن اللغة أن تتجاوز هذا التعريف الموضوعي‏,‏ غير أن تعريف اللغة بوظيفتها يختلف عن تعريفها بحقيقتها وعلاقتها بالإنسان‏..‏ فاللغة هي الإنسان‏,‏ وهي الوطن والأهل‏,‏ واللغة التي هي نتيجة التفكير‏..‏ هي ما يميز الإنسان عن الحيوان وهي ثمرة العقل والعقل كالكهرباء يعرف بأثره‏,‏ ولا تري حقيقته‏.
        والأصل في اللغة أن تكون مسموعة أي أن إنسانا ينطقها بلسانه وشفتيه فيسمعها إنسان آخر بأذنيه‏,‏ ولكن عندما عرفت الكتابة بالرسم أو بالحرف منقوشة علي الحجر أو مكتوبة علي الورق أصبحت هناك لغة مقروءة أي أن الإنسان يقرأها بعينيه‏.‏ وأصبحت هناك لغتان إحداهما سمعية والأخري بصرية‏.‏‏
        فاللغة العربية هي أصوات حقيقة أو حكما يعبربها الذين نسبوا الى العرب مطلقا

ب. تعريف البائدة
كلمة البائدة هي مأخوذة من باد يبيد بد بيدا بيودا بيادا بيدودة فهو بائد وهي اسم الفاعل من الثلاثي المجرد.
يقال :
       باد العدو أى هلك
       بادت الشمس أى غربت
       باد القوم أى انقرضوا، انقطعوا
       ما أظن أن تبيد هذه أبدا
       باد الشخص أى فنى و تلف
و يقال أيضا لن تبيد أمة شعارها الإيمان، ما بادت حضارة تمسك أهلها بها
       وهذه كلها لازمة، و لها المتعدى من باب أفعل يفعل إفعالا أفعل فتقول أباد يبيد إبادة أبد فهو مبيد و المفعول مباد بمعنى أهلك، دمّر، سحق،
يقال : أباد أعداءه أى أهلكهم، دمرهم، سحقهم
       أباد الجيش أعداء الوطن أى أهلكهم
       أباد الله خضراءهم أى أفناهم، أذهب حصبهم و نعيمهم
و يقال أيضا : إبادة جنس، إبادة جماعة، إبادة جماعية : محاولة القضاء على شعب أو طائفة
و يقال أيضا : إندونيسيا تتوعد بإبادة الانفصاليين في آتشيه
        هي تطلق على لهجات كان يتكلم بها عشائر عربية تسكن شمال الحجاز على مقربة من حدود الآراميين و فى داخل هذه الحدود و خاصة فى تيماء و الحجر "أو مدائن صالح" و منطقة العلا فى شمال الحجاز، و لتطرف هذه اللهجات فى الشمال، و شدة احتكاكها بللغات الآرامية،
و بعدها عن المراكز العربية الأصلية بنجد و الحجاز، فقدت كثيرا من مقوماتها و صبغت بالصبغات اللآرامية، و قد بادت هذه اللهجات قبل الإسلام، ولم يصل إلينا منها إلا بعض نقوش عثر عليها أخيرا فى المنا طق السابق ذكرها فى مساحة واسعة تمتد من دمشق إلى منطقة العلا، و من أجل ذلك تسمى أحيانا "عربة النقوش".
        و يظهر من هذه النقوش أن المتكلمين بتلك اللهجات كانوا فى عزلة عن عرب نجد و الحجاز، و أنهم فقدوا كثيرا من مقوماتهم العربية، و صبغوا بالحضارة الآرامية و النبطية.
       و العرب البائدة هي القبائيل العربية التى كانت عاشت فى الجزيرة العربية ثم بادت قبل دعوة الإسلامية، و البائدة تعنى "الهالكة" للأنها انتهت و انتهى نسلها و كانت أول من تحدث اللغة العربية.

ب ) من تكلموا بها فى القديم
      العرب البائدة هم من الأقوام الذين كانوا فى نظر النسابين العرب السكان الأصليين للجزيرة العربية، فمنهم عاد و ثمود و عمالقة/العماليق و وبار و عبيل و أميم و جديس و طمس و جرهم و هم أقوام انقرضت كلها قبل ظهور الإسلام، المعلومات عن هذه الأقوام قليلة وغامضة، في بعض الأدبيات يطلق اسم العرب القدماء على العرب البائدة.
و أما مسكنهم فبحسب ما ورد فى مصادر تاريخية فإن قوم عاد مسكنهم فى الأحقاف و ثمود فى مدينة الحجر و العماليق هم قبائيل عدة مسكنهم فى تهامة و الحجاز و البحرين و عمان ومنهم قبيلة عبيل مسكنهم فى يثرب و قبيلة جرهم فى مكة، و قبيلة السميدع فى اليمن، و قبيلة جاسم فى البحرين ،و طمس و جديس مسكنهم فى اليمامة (نجد).

٢ . الخصائص المشتركة بينها و العربية الباقية
        و تتفق اللغة التى دونت بها هذه النقوش مع "العربية الباقية"  فى كثير من مقوماتها و خصائصها منها:
١. فى الأصوات
      فهي تشتمل على معظم الأصوات التى تمتاز بها العربية الباقية عن سائر أخواتها السامية أو يكثر ورودها فيها دون غيرها كأصوات الذال و الثاء و الغين المعجمة و الضاد.

۲. فى القواعد
أ). فهي تشتمل على أهم خاصة لقواعد اللغة العربية وهي حاصة الإعراب بالحركات، أى إلحاق أصوات      مد قصيرة بآخر الكلمة لبيان وظيفتها و علاقتها ببقية عناصر الجملة،
ب). تيسر على الطريقة العربية فى صوغ أفعل التفضيل،
ج). حذف علامة الإعراب أو شيء منها فى حالة إضافة اللإسم الى ما عداه.

٣. فى المفردات
        و تبدو وجوه الشبه بينهما أظهر ما يكون فى أصول المفردات و أسماء الأعلام.
       غير أن العربية البائدة تمتاز عن العربية الباقية بشدة تأثرها باللغة الآرامية و تختلف عنها اختلافا غير يسير فى كثير من مظاهر الصوت و المفردات و الدلالة و القواعد أداة التعريف، فهي فى هذه اللهجات حرف الهاء أو "هان" كما هو الشأن فى العبرية، على حين أنها "ال" فى العبرية الباقية.

٣. تقسيم النقوش التى وصلت إلينا عن العربية البائدة
       و تنقسم النقوش التى وصلت إلينا العربية البائدة عن طريقها إلى قسمين:
١ ) قسم شديد التأثر بالآرامية،
٢ ) قسم أقل تأثرا بها و أدنى إلى العربية الباقية.
      و قد دون القسم الأول بخط دمشق من الخط المسند، بينما دون القسم الثانى بالخط النبطى أو بخط مشتق منه.

١ ) أما نقوش القسم الأول فضحلة المادة لا تشتمل إلا على بعض أسماء الأعلام و بعض عبارات قصيرة، و تنقسم باعتبار المناطق التى كشفت فيها و العشائر التى يظن أنها استخدمتها الى ثلاث مجموعات: النقوش اللحيانية، و النقوش الثمودية و النقوش الصفوية.






أ ) النقوش اللحيانية
فالنقوش اللحيانية تنسب الى قبائل لحيان، و قد اختلف العلماء فى اصل هذه القبائل اختلافا كثيرا، ولم يصلوا بعد بصددها الى رأى يقينى و لم يثبت بعد بصورة قاطعة تاريخ هذه النقوش، و لكن يظهر أن أقدمها لا يجاوز القرن الثانى أو الأول ق.م. و أحدثها لا يجاوز السادس بعد الميلاد.
 ب ) النقوش الثمودية
تنسب النقوش الثمودية الى القبائل التى ورد فى القرآن ذكرها و ذكر مساكنها أكثر من مرة، و قد عثر على هذه النقوش فى المواطن نفسها التى يعتقد العرب أنها كانت مساكن ثمود، و يرجع تاريخ معظمها الى القرنين الثالث و الرابع بعد الميلاد.
و فيما يلى نموذجة من هذه النقوش و قد دوناها جميعا بحروف عربية و ألحقنا بكل منها ترجمة الى لغتنا العربية:
(1) . ذن     ل ق ض    ب ن ت    ع ب د    م ن ت
و إذا الحقنا بهذه الأصوات الساكنة أصوات المد التى تتبع بعضها و التى لا يرمز اليها هذا النقش، تصبح كلماته على الصورة الآتية:
ذين  لقيض  بنت  عبد  مناة
و ترجمة الى عربية "هذا القبر لقيض بنت عبد مناة"
ج ) النقوش الصفوية
تنسب هذه النقوش الى المنطقة التى كشفت على مقربة منها و هي منطقة الصفا، فقد عثر عليها فى حرة واقعة بين تلول الصفا و جبل دروز، و يرجع تاريخها الى القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد.
و فيما يلى نموذجة من هذه النقوش و قد دوناها جميعا بحروف عربية و ألحقنا بكل منها ترجمة الى لغتنا العربية:
ل ب ر د     ب ن    ا ص ل ح     ب ن ا     ب ج ر    و ش ت ى    هـ د ر    و ذ ب ح   
ف هـ ل ت    س ل م .
و ترجمته الى العربية :
لبرد بن أصلح بن أبجر وشتى (أى أقام فى الشتاء) فى هذا الدار (الهاء فى "هدر" علامة التعريف، و "در" ينطق بها "دار" لأن هذا الرسم لا يرمز الى أصوات المد) و ذبح (ذبيحة) فيا الله سلام (أقدمه لك).

٢. أما القسم الثانى من هذه النقوش أى النقوش التى هي أقل تأثرا بلأرامية و أدنى إلى العربية الباقية
فى مفرداته و أسلوبه و قواعده، مع أن المنطقة التى كشفت بها نقوشه لا تبعد كثيرا عن المنطقة التى كشفت بها النقوش فى القسم الأول.
و ينتظم هذا القسم ثلاثة نقوش :
1 . نقش النمارة
2 . نقش زبد
3 . نقش حوران
1 . نقش النمارة
اما نص نقش النمارة بالحروف العربية كما يلى :
تى نفس مر القيس بن عمرو ملك العرب كله ذو ولده
و ترجمته الى العربية كما يلى:
هذا قبر (نفس أى قبر فى العربية البائدة) امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذى (ذو بمعنى الذى فى لهجاتهم) حاز (أسر بمعنى حاز أو استولى أو لبس) التاج.

2 . نقش زبد
اما نص نقش زبد بالحروف العربية كما يلى :
(بس)م الإله سرجو برأمت منفو وهنئ برمر القيس
وهي تشتمل على كلمة عربية و هي "الأله".

3 . نقش حوران
اما نصه بالحروف العربية كما يلى:
أنا شراحبيل بن ظلموبنيت ذا المرطول سنت ٤٦٣ بعد مفسد.
و ترجمته الى العربية كما يلى:
أنا شراحبيل بن ظالم بنيت هذه الكنيسة سنة ٤٦٣ بعد مفسد.






النتيجة
١. العربية البائدة هي تطلق على لهجات كان يتكلم بها عشائر عربية تسكن شمال الحجاز على مقربة من حدود الآراميين و فى داخل هذه الحدود و خاصة فى تيماء و الحجر "أو مدائن صالح" و منطقة العلا فى شمال الحجاز
۲. و تتفق اللغة التى دونت بها هذه النقوش مع "العربية الباقية"  فى كثير من مقوماتها و خصائصها فى الأصوات و القواعد و المفردات.
٣. تنقسم النقوش البائدة عن طريقها الى شديد التأثر بلآرامية و أقل تأثرا بها و أدنى الى الباقية.




المصادر
1 . فقه اللغة، تأليف الدكتور على عبد الواحد وافى، أسسها أحمد محمد إبراهيم سنة 1938

No comments:

Post a Comment

Popular Posts